يحتفل الشعب الجزائري بذكرى يوم العلم الموافق لـ 16 أفريل، تخليدا ليوم وفاة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الجزائرية، الذي افني حياته في غرس معاني الوطنية وقيم الأصالة ولتكون وفاته انبعاثا للأمة ودفعا لها من جديد من خلال ربط الصلة بأسلافنا الطاهرين، لنعيش في كنف العلم والعلماء الذين كرسوا حياتهم للعلم وأفنوا أعمارهم في سبيل تحصيله.
وقد كان من الطبيعي أن تستمر الجزائر في تجسيد الفكر المتبصر للعلامة ابن باديس، حيث اتخذ الشعب الجزائري من تاريخ رحيله يوما رمزيا للاحتفاء بالعلم والعلماء ودأب على ذلك، مكرسا هذا التقليد منارة تذكرنا بمرحلة من تاريخ الأمة، تصدى خلالها الشيخ ابن باديس لمخططات استعمارية حاقدة استهدفت طمس الهوية الوطنية وهدم ركائزها، معتمدا في ذلك على تحرير العقل واستنهاض الهمم بسلاح العلم.
فقد كان الشيخ ابن باديس من الأوائل الذين آمنوا بأن تحرير العقل من الجهل والخرافات يسبق تحرير الأوطان، حيث حارب حتى آخر رمق من حياته، وكل المخططات الاستعمارية الفرنسية لطمس الهوية الوطنية، وهذا العلامة الرمز أقام دعوته الإصلاحية الرامية إلى الاعتدال بإزالة الفساد، على أسس التغيير الإيجابي المبني على دراسة الواقع وتصحيح الاعتقاد وتعليم الفرد الجزائري وحفظ الهوية والوحدة الوطنية.
وكانت انطلاقة المسيرة الإصلاحية للشيخ ابن باديس بعد لقائه برفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي، الذي اتفق معه على محاربة الاستعمار الفرنسي وأولئك الذين امتهنوا المتاجرة بالدين، ليتم في هذا الصدد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931.
فقد كان العلم سلاح الشيخ ابن باديس في معركة التغيير التي خاضها والتي اكتست أبعادا سياسية واجتماعية وثقافية وأخلاقية، حيث أرسى لهذا الغرض ترسانة ضمت نحو 124 مدرسة يؤطرها 274 معلما، كما بلغ عدد تلامذتها إلى غاية سنة 1954 نحو 40 ألف تلميذ، علاوة على إنشائه معهد ابن باديس الثانوي بقسنطينة والذي تولى تكوين المعلمين والطلبة، كما عمل أيضا على الترويج لأفكاره الإصلاحية وتوعية النشأ من خلال تأسيسه لجرائد المنتقد، الشهاب، والبصائر.
يذكر أن العلامة عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي ابن باديس الذي كان يوقع مقالاته الصحفية بكنيته الأمازيغية “الصنهاجي” كان قد رأى النور سنة 1889 بقسنطينة، أتم حفظ القرآن في السنة الثالثة عشر من عمره، ليسافر بعدها إلى تونس أين تابع تعليمه بجامع الزيتونة.
ولأن العلم والمعرفة أصبحا يشكلان حجر الزاوية في بناء الإقتصاد والتحكم في التكنولوجيات الحديثة، تحيي الجزائر هذه الذكرى وهي تحقق إنجازات مشهود لها في القطاعين التربوي والجامعي الذين يعتبران المشتلة لهذه المعارف.