«مؤامرة» ضد مشروع الصيرفة الإسلامية في الجزائر .. ودعوة لتدخل الحكومة!
كتب الإعلامي عبد الحميد عثماني:
من يُحارب الصيرفة الإسلامية؟!
منذ إعلان البنوك العمومية عن تطبيق الصيغ الإسلامية في معاملاتها الماليّة، انطلقت حملة افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتشكيك في شرعيّة العروض البنكية الجديدة، ثم ازداد الهجوم حدّةً وتركيزًا بعد كشف البنك الوطني الجزائري عن طريقة الاحتساب (أو ما يُعرف بالمحاكاة) التي تمّكن الزبون من معرفة الأقساط المطلوبة والأرباح المحصّلة عبر مدة تسديد القرض الشرعي.
يجب أن نتفق من البداية أن الأغلبية من مروجي تلك المنشورات الطاعنة في سمعة المنتجات البنكية الشرعية هم من قومِ تُبّع، ينقلون عن غيرهم دون وعي عميق بخلفيات تلك الهجمة الشرسة وأثرها النفسي والاجتماعي والسياسي على مشروع الصيرفة الإسلامية، كمطلب شعبي عامّ منذ عقود، كما توجد أقليّة أخرى نزيهة في تناولها للقضية، ودافعُها الرئيس هو الغيرة والحرص على نجاح الفكرة الحُلم، أما الفئة الخطيرة، فهي بكل تأكيد من تُحرّك خيوط الحملة المغرضة خلف الستار، لاعتبارات إيديولوجيّة محضة، حتّى أن أوساطًا مطلعة تربط بين ندرة السيولة بمراكز البريد مؤخرا واعتماد الحكومة للنظام البنكي الإسلامي، في محاولة خبيثة من لوبيّات علمانيّة استئصاليّة بائدة لوضع العصا في عجلة المشروع الواعد.
لا يفوتنا كذلك التنبيه إلى أنّ إقرار الصيرفة الإسلامية في البنوك التقليدية ببلادنا، وإن فرضته البراغماتيّة الاقتصادية لمواجهة الظروف الماليّة القاهرة، فهو قبل ذلك تتويج لنضالات وجهود رجال وخبراء على مرّ العقود الماضية، بذلوا من جُهدهم المُضني، معرفيّا وتقنيّا وثقافيّا وتوعويّا، لإقحام الصيرفة الإسلامية ضمن خدمات المنظومة البنكية بالجزائر، لتكون قيمة مضافة في تحريك عجلة التنمية، على غرار تجارب كثيرة رائدة عبر العالم.
كما نودّ التذكير لمن غابت عنهم المعلومة أن الهيئة الشرعية للصيرفة بالبنك الوطني الجزائري، على سبيل المثال لا الحصر، يقوم عليها علماء أجلاّء في حقل الصناعة المالية الإسلامية، من أمثال البروفيسور محمد بوجلال، والشيخ أبو عبد السلام، والدكتور السعيد بويزري، والدكتور كمال بوزيدي، وغيرهم.
إن هذه المعطيات توجب على جميع الخائِضين في مسألة الصيرفة الشرعيّة الناشئة عندنا استشعار المسؤوليّة الدينيّة والعلميّة والأخلاقية، قبل الإدلاء بآرائهم الذاتية المندفعة في حقل يجهلون دهاليزه، حتى لا تكون مواقفهم المتعجّلة حطبًا في وقود المعركة القذرة ضدّ الإسلام على أرض الشهداء.
إذا عُدنا الآن إلى جوهر الانتقاد الموجَّه صوب تجربة الصيرفة الإسلاميّة وجدناه ذا وجهين: الأول سعيُ البعض عن جهل، ومع سبق الإصرار والترصّد لدى آخرين، لإثارة الريْبة لدى المواطنين في طبيعة المعاملة الإسلامية نفسها، بزعم أنها لا تختلف عمليّا عن النشاط الربوي بالبنوك الكلاسيكية، والثاني هو ما يُثار بخصوص ارتفاع هامش الربح للمُنتج الإسلامي قياسًا إلى القرض التقليدي.
وردّا على تلك الشبهات الباطلة، فليكن معلومًا أنّ البنوك العاملة بنشاط الصيرفة الإسلامية لا تتقاضى فوائد نظير خدماتها، بل تكسبُ أرباحها النسبيّة من عوائد عمليات البيع والشراء والإجارة والمرابحة بكل شفافيّة.
أمّا انشغال الربح المرتفع برأي البعض، فقد أكد مسؤولو البنوك بشأنه أنّ إقراض المال بمعدَّل فائدة معيّن يختلف عن اقتناء منتج وإعادة بيعه وفق هامش ربح، لأنّ ذلك يكلف ضرائب أكبر ومخاطرة أعلى، مثل أي عملية تجاريّة أخرى.
ومن ثمّة، فإنَّ الإشكاليّة القائمة، في حال تصديقها، لا تُطرح إطلاقا من منظور شرعيّ، لأن الله أحلّ البيع وحرّم الربا، بل هي مسألة أخلاقيّة في أسوإ الأحوال، ربّما تعبِّر، لو ثبتت واقعيّا، عن الجشع التجاري بما يتنافى مع القيم الإسلاميّة التي يُفترض أن يتحلى بها البنك.
لذلك، فإنه يتعين على الحكومة، وفق آليات الضبط البنكي المركزي، التدخل للتحقيق في خلفية وحقيقة المشكلة، للتأكد من مشروعيّة الهامش الربحي المحصّل تحت غطاء المخاطرة وعبء الضرائب، خاصّة إذا علمنا أن سوق السيارات في الجزائر، مثلاً، لا ينطوي حاليّا على أي مغامرة تجارية، وفق قاعدة العرض والطلب، وهو ما قد يكشف للسلطات أيّ مخطط مقصودٍ لتنفير المتعاملين من صيغ القروض الإسلاميّة بهاجس الأرباح المرتفعة، وهو سيناريو، بعيدا عن منطق المؤامرة، يبقى قائمًا في ظل التدافع الإيديولوجي المحموم ضدّ توطين هذه التجربة.
إنّه من حقّنا كمُستهلكين أن نحتجّ لنعبِّر عن تطلعاتنا في توفير صناعة ماليّة شرعيّة أقلّ تكلفة، لكن دون السقوط في لعبة استهداف المشروع لصالح تيّار الإقصاء، حتّى نفرّق بين نصرة المبدأ وانتقاد الممارسة.