بين يقظة الواقع وصناعة الوهم الإفتراضي العالم يتحدث
بقلم: عبدالرحمان عمار
العالم يتحدث رقمي، هكذا هو حال العقد الثاني من الألفية الثالثة، أقمار صناعية اكتسحت الفضاء الخارجي حتى بات يخيّل للجميع بأنّها ستحجب النجوم عن الظهور ليلا، آلاف الأقمار الصناعية مترامية الأطراف هدفها مراقبة حركة الأرض وما يدور بين جنباتها، لقد غزت السماء وأحكمت قبضتها على سكّان المعمورة، وبدا العدّ التنازلي لبسط هيمنة " الرقمي" على التماثلي والافتراضي على الواقعي، لتبرز للوجود أولى معالم الحضارة القائمة على الخيال اللامتناهي، فبعض البشر من أصحاب الثروة والهيمنة السياسية و المبدعين بالغوا في تفكيرهم ورؤيتهم لمستقبل البشرية لحد التفكير في تحديد نوايا البشر من خلال تطبيقات معيّنة، وبدأ الحديث عن الذكاء الاصطناعي وما سيحمله من سعادة للبشرية وحلول لمشاكلها المتراكمة، وفي ظل كل هذه المتاهات الفكرية و التراهات المعتقدية، لم يتوان أصحاب هذا المشروع العملاق من المضي قدما لتحقيق أحلامهم الوردية أمام دهشة العالم من السرعة الفائقة التي تسير عليها أنظمة " التغيير البشري " .
تجانس لا مثيل له أصبح يميّز الحركية الفكرية والإبداعية الإنسانية في مختلف أرجاء المعمورة، لا فرق بين ساكني القطب الشمالي وبين نظرائهم من القطب الجنوبي وهكذا دواليك بالنسبة للسكان الآخرين.. نفس نمط التفكير، نفس الإستجابة الرقمية ونفس التفاعل بداخل بيت العنكبوت العملاق: الجميع يتحدث " رقمي"، في واحدة من المفارقات العجيبة لحياة البشر.
إنّ العالم يسير بخطى عملاقة ومتسارعة نحو أفق مجهولة، لا أحد يعرف مداها ولا منتهاها إنّه عالم: ما بعد الحقيقة أو " النانو تكنولوجيا"
هل أخطأ ماكلوهان في مفهوم التواصل البشري؟
كان مارشال ماكلوهان ( عالم الاتصال الكندي ) يعتقد في مؤلّفه الشهير " مجرّة غوتنبرغ" أنّ تحوّل الإنسانية إلى قرية صغيرة، هو قمّة ما سيصل إليه العلم الحداثي في شقّه الاتصالي، لكنّ الحقيقة الحالية أدحضت فكرة ماكلوهان ولو من حيث المبدأ، فالعالم أضحى أقل من قرية صغيرة، فسكّانه بتعدادهم الحالي ( عام 2024) مايزيد عن السبعة ملايير (7) من البشر، يتفاعل السواد الأعظم منهم بداخل الشبكة العنكبوتية على مدار اليوم الواحد.
تلاقح إنساني فائق التناسق والتجانس زمن الهيمنة الرقمية وانعكاسها على حياة البشر، والفارضة سطوتها على الجميع، أغلق كلّ المنافذ وأحكم قبضة الواب على مجريات الحياة بكلّ ما تحمله من تناقضات فكرية وعقائدية وأيديولوجية .. وغيرها. فالعالم لم يعد بحاجة إلى عقل إنساني مدبّر بما أنّ الشبكة العنكبوتية تتيح للجميع حقّ " عدم التفكير" بطرحها كلّ الحلول لجميع المشاغل، حتى غدا بعض البشر مدمن على عالم الافتراض وما يطرحه من محتوى رقمي، دون تمحيصه أو تحليله أو حتى التأكد من صدقيته من عدمها، فبات حبيس جدرانه لا يعرف آخر الطريق، بل غدا سجينا بداخل أروقته المتعددة، فاقدا لحريته الإنسانية أمام هيمنته الرقمية وسحر ما يقدّمه من أطباق مختلفة لمحتويات متعددة ومتنوعة.
شبكات التواصل الاجتماعي.. الهديّة المسمومة
- تشكّل شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصّات الكبرى المتخصصة في تبادل المعلومات والأخبار وتقاسم الفيديوهات والصور والدردشة الجماعية، القطب الأبرز للجذب والاستقطاب على الأنترنت، ومنها النخب أو كوادر المجتمع.
إنّ ما تتيحه تكنولوجيات الإعلام الجديد من خيارات تكسّر النماذج التقليدية للبرمجة، والتلقي هو الذي يفسّر ما تلقاه اليوم من إقبال واسع، من خلال انتقاء:
- المادة. ( المحتوى).
- المنصّة. ( الموقع ).
- الوقت الملائم للمتابعة.
لقد اقترن انتشار الميديا الجديدة وتعدّد استعمالاتها وتنوّع مستخدميها، بظواهر سلبية كالتعدي الواسع على حقوق الملكية الفكرية واختراق الأنظمة والعبث بالموارد المعلوماتية والحسابات الخاصّة، لتظهر بذلك في طليعة هذه الظواهر أولى معالم الإساءة كالأخبار الزائفة.
ولعلّ خير ما أختم به هذا المقال هو الإشارة إلى تصريح مارك زوكربرغ ( مالك شركة " ميتا" – فايسبوك وميسنجر وأنستغرام) والذي حدّد من خلاله المعالم التي رسمها هو من يدعمون أفكاره، موضّحا رؤيته المستقبلية للبشرية من خلال تبني فكرة " الذكاء الاصطناعي".
" الذكاء الإجتماعي الموجود هنا في الفايسبوك " META" قوي لجلب المال، ونحن بحاجة إلى تطوير الذكاء الإصطناعي من أجل أن نسيطر على البشر".
تصريح يلخّص حقيقة الفكر الغربي نحو مستقبل البشرية وبكل بساطة أقول: بدون تعليق..